شتان الفارق بين أم وأم.. فهناك أم حنون تؤثر أبناءها على نفسها فى كل شيء حتى وإن أفنت شبابها أو فقدت حياتها من أجلهم، وتلك هى الأم التي قيل فيها “إن الجنة تحت قدميها”.. وهناك أم جحود بلا قلب لا ترى سوى نفسها ولا تشغلها سوى ملذاتها، وهى فى سبيل ذلك مستعدة لفعل أى شيء حتى ولو على حساب أبنائها، وتلك هى التى قيل فيها “أم بلا قلب”.. وفى هذه الحلقة من “جرائم هزت مصر” نرصد واحدة من أغرب الجرائم وأكثرها تعقيدا، تحكى عن أمَّين.. الأولى عجوز تجاوزت الثمانين من عمرها، تسعى بقلب الأم للاطمئنان على ابنها الوحيد، ووقفت أمام قسم الشرطة أياما وليالي تلتمس أخباره.. والثانية تحجر قلبها وقتلت ابنها ثم زوجها إرضاء لعشيقها وسعيا وراء ملذاتها.
أم عجوز على باب قسم الشرطة
داخل مكتبه بقسم الشرطة، جلس ضابط المباحث الشاب يقلب أوراق بعض القضايا ويفحص بلاغات عديدة تلقاها القسم، وبينما هو منهمك فى عمله، طرق بابه أحد أفراد الأمن.. سمح له بالدخول وبعد تبادل التحية العسكرية، أخبره فرد الأمن بأن هناك سيدة عجوز ترغب بإصرار شديد فى مقابلته لأمر مهم.. سمح لها بالدخول، فإذا هى امرأة شارفت على الخامسة والثمانين من عمرها، أحنى الزمان ظهرها ورسم تجاعيده على وجهها.. استقبلها الضابط بوجه بشوش وبعد أن جلست أمامه سألها عن شكواها، فتحدثت بصوت واهن ضعيف قائلة: “ابني الوحيد وجدي اختفى بمجرد وصوله إلى مصر عائدا من دولة خليجية، وقلبى يحدثنى بأنه فى خطر شديد.. سألها الضابط: “هل ابنك يسكن معك؟”.. أجابت الأم العجوز: “هو متزوج ويقيم مع أسرته، وقد سألت زوجته عنه فقالت لى إنه لم يصل بعد من الخارج”.. ارتسمت علامات الدهشة على وجه الضابط وعاد يسأل: “ولماذا أنت على يقين بأنه عاد إلى مصر وأنه فى خطر؟”.. قالت: “ابنى اتصل بى مرتين.. الأولى قبل أن تقلع به الطائرة من الخارج، والثانية فور وصوله مطار القاهرة، وفى الأخيرة أخبرني بأنه سيذهب ليستريح فى منزله، وفى اليوم التالي سوف يحضر لتناول الإفطار معي”.. صمت الضابط قليلا ثم سأل الأم العجوز عن موقف زوجته من هذا الأمر، فقالت إنها عندما سألت زوجة ابنها وتدعى نادية، أخبرتها بأنها لا تعلم شيئا عن وجدي وأنه لم يخبرها بأنه عائد إلى مصر.
الزوجة تنكر معرفتها بعودة الابن المفقود وتتهم الأم بالهلوسة
طلب الضابط من الأم العجوز الانصراف وهو سيتولى إجراءات البحث فى بلاغها.. قبل أن تنصرف تعلقت عيناها الدامعتان بوجهه وراحت ترجوه بأن يرحم قلب أم يكاد قلبها يتمزق خوفا وقلقا على ابنها، وأن يطمانها عليه فى أقرب وقت.. استدعى الضابط زوجة “وجدي” وأخبرها بما كان من حماتها، فأكدت أنها لا تعلم شيئا عن زوجها المسافر للخارج، وأنه لم يصل أصلا إلى مصر وقالت: “لو وجدي رجع.. إيه اللى يمنعه يتصل بيا، وليه مجاش على بيته؟.. يا حضرة الضابط لا تسمع لكلمات حماتي، فهى ست عجوزة وأحيانا بتتخيل حاجات مش حقيقية”.. انصرفت نادية من قسم الشرطة دون أن تقدم أية معلومات مفيدة للضابط، فاكتفى بفتح ملف جديد ضمه لملفات المتغيبين حمل اسم “اوجدي” وألقاه فى درج مكتبه.
مطار القاهرة يكشف لغز اختفاء وجدى
فى اليوم التالي، وأثناء دخول الضابط إلى قسم الشرطة، فوجئ بالأم العجوز تلقى بنفسها على قدميه وتبكى بكاء حارا، وهى تسأله: “عملتوا إيه فى موضوع ابني؟”.. تعاطف الضابط معها ولكنه لم يكن يملك ردا على سؤالها فاكتفى بطمأنتها بأنه سيحمل لها أخبارا سارة عما قريب.. تكرر هذا الأمر لعدة أيام.. ذات يوم تحدث ضابط المباحث مع ضابط آخر حول قصة العجوز الباكية، فقال زميله: ” الموضوع بسيط، لنقطع الشك باليقين، ونستعلم من مطار القاهرة عما إذا كان الابن وصل إلى مصر فى الموعد الذى حددته الأم من عدمه”.. لم يضيع ضابط المباحث وقتا وانطلق من فوره إلى المطار، وهناك كانت المفاجأة المدوية.. “الاستاذ وجدي” وصل بالفعل إلى القاهرة فى ذات التوقيت الذى حددته الأم، ولكنه اختفى تماما بمجرد خروجه من المطار وكأنه تبخر!
سائق تاكسي يفجر مفاجأة تقلب الموازين
لم يذهب الضابط إلى منزله فى ذلك اليوم، وعاد إلى قسم الشرطة مرة أخرى وكالعادة وجد الأم الباكية فى انتظاره.. اصطحبها معه إلى مكتبه وأخبرها بأنه تأكد من صحة كلامها، وأن ابنها وصل بالفعل إلى القاهرة، وراح يسألها عن معارفه فى مصر فقالت: “مراته ست مش كويسة.. أنا شاكة إنها سبب اختفاء ابني”.. بدأ ضابط المباحث فى إجراء تحريات مكثفة، ولكنه لم يتوصل إلى شيء مفيد، إلى أن فوجئ بحضور شخص تبدو عليه ملامح الوقار، وأخبره بأنه يعمل سائق تاكسي، ومنذ أسبوع تقريبا، ركبت معه أسرة من مطار القاهرة، وطلبت توصيلها إلى منزلها، وبعد أن أوصلهم عثر على شنطة صغيرة بها جواز سفر الشخص الذى وصل من الخارج وبطاقته الشخصية ومبلغ مالى بالدولار.. فتح الضابط الشنطة وتفحص محتوياتها ليكتشف أنها خاصة بـ ” وجدي”.
سر زواج وجدى من نادية رغم فارق العمر الكبير بينهما
استدعى ضابط المباحث الأم العجوز مرة أخرى، وطلب منها أن تخبره بظروف وملابسات سفر ابنها للخليج، وتفاصيل علاقته بزوجته نادية.. بدأت الام حديثها قائلة: “سافر ابنى وزوجته وطفليهما سامح وسماح، إلى الخليج منذ 20 سنة، وكانت أمورهما مستقرة.. ومنذ 5 سنوات عادت الزوجة والأبناء وكنت أزورهم فى بيتهم القديم بالجيزة، إلى أن سمعت كلاما من الجيران عن سوء سلوك زوجة ابنى نادية، وأنها تركت لابنتها الشابة سماح الحبل على الغارب، وتناثرت حولها هى الأخرى الشائعات.. تواصلت مع ابنى فى الخارج وطلبت منه العودة ليضع حدا لما يحدث فى بيته، خصوصا بعد أن ازدادت أقاويل الجيران حول علاقتها بسائق تاكسي اشترته بأموال ابني التى كان يرسلها إليها”.
تضاعفت شكوك ضابط المباحث فى نادية زوجة “جدي”، فقرر تكثيف التحريات حولها، فتوصل إلى أن الاستاذ وجدي يكبر زوجته نادية بنحو 20 عاما، وكان مدرسها الخصوصى فى المرحلة الثانوية، ولأنها كانت جميلة ومشتعلة الأنوثة، لم يصمد أمامها ووقع معها فى المحظور وأفقدها عذريتها.. لم يتخل عنها وتقدم طالبا الزواج منها، واضطرت أسرتها للموافقة.. بعد أن أنجبا طفلين هما سماح وسامح، سافرت الأسرة إلى دولة خليجية واستقرت هناك، ومنذ خمس سنوات عادت الأم مع ابنيها وكانا فى المرحلة الإعدادية.. التحريات أضافت أن سمعة نادية ليست فوق مستوى الشبهات، وأنها دائما ما تتشاجر مع جيرانها الذين اتهموها بسوء السلوك وأنها على علاقة غير شرعية مع سائق يدعى أحمد.، والذى يعمل على سيارة تاكسي اشترتها له بأموال زوجها.
سائق التاكسي يتعرف على الزوجة وابنتها
أصبحت نادية فى دائرة الشبهات بشكل كبير، وأشارت دلائل كثيرة من أقوال الجيران وأصدقائها إلى تورطها فى اختفاء زوجها “الأستاذ وجدي”.. استدعى ضابط المباحث سائق التاكسي الذى أحضر شنطة الزوج المختقي، وسأله عما إذا كان فى مقدوره التعرف على السيدة التى ركبت معه مع زوجها من المطار أم لا، فأجابه: ” بالطبع.. انا أتذكر جميع الوجوه جيدا”.. طلب الضابط من السائق الإنتظار لبعض الوقت، ثم أرسل قوة من القسم أحضرت الزوجة نادية وابنتها سماح.. جلست الابنة خارج المكتب، بينما دخلت نادية إلى حجرة الضابط لتفاجأ بسائق التاكسي يدخل عليها.. وما أن رآها الأخير حتى قال للضابط “هى دى الست يا باشا اللى كانت مع جوزها صاحب الشنطة”.. تلعثمت نادية هى تردد “انا معملتش حاجة.. أنا مش فاهمة حاجة”.
استغل الضابط ارتباك نادية وباغتها متسائلا: “ابنك سامح فين؟”.. ازداد ارتباكها وهى تجيب بأن سامح سافر العراق… عاد سائق التاكسي ليتحدث قائلا: ” يا باشا وانا داخل شفت بنت قاعدة برة.. هى كمان كانت معانا لما وصلت العائلة من المطار لبيتهم”.. طلب الضابط من نادية الخروج والانتظار بالخارج وسمح للسائق بالانصراف، وأدخل الابنة سماح إلى مكتبه.
سماح تكشف تفاصيل مقتل شقيقها على يد أمها وعشيقها
سيطر الارتباك على الفتاة الشابة وهى تجلس أمام ضابط المباحث، الذى باغتها بسؤال غير متوقع قائلا: “سامح أخوكي فين؟”.. شحب وجه الفتاة وتجمدت الكلمات على شفتيها، ثم انهارت دفعة واحدة قائلة: “أنا هعترف بكل حاجة.. هاحكى كل التفاصيل.. أمي ارتبطت بعلاقة غير شرعية مع سائق التاكسى “أحمد”، وكانت تضع لى ولشقيقي سامح المنوم، وتمارس أفعالها المشينة مع السائق داخل حجرة نومها.. وعندما كثرت أقاويل الجيران عن تلك العلاقة الآثمة، ارتاب شقيقي سامح فى الشاى الذى تقدمه لنا أمنا كل ليلة، فسكبه وتظاهر بأنه شربه.
وفى ساعة متأخرة من الليل تسلل إلى حجرة أمي، وفتح الباب بشكل مفاجئ ليجدها فى أحضان السائق”.. ما أن انتبهت أمي والسائق إلى وجود سامح، حتى انتفضا من مرقدهما، وانقض السائق على عنق شقيقي بمساعدة أمه، وخنقاه بكل قوة، ثم هدداني بالمصير نفسه إذا تلفظت بكلمة حول ما رأيت وسمعت، ثم حملا الجثة إلى التاكسي وقام أحمد بدفنها فى الصحراء”.
جريمة الزوجة الخائنة وعشيقها قبل السحور
ران صمت مطبق على الحجرة قبل أن يبدده صوت الضابط متسائلا: “وماذا عن والدك.. ماذا حدث له؟”.. أجابت سماح: “علمت أمي بموعد وصوله فاصطحبتنى أنا والسائق إلى المطار لاستقباله.. عرفت أبى على أحمد بأنه سائق التاكسي الذى اشترته بأمواله التى كان يرسلها لها، وعندما سأل والدى عن سامح أخبرته بانه سافر للعمل فى العراق.. كنا فى رمضان وتناولنا طعام الإفطار ومعنا أحمد سائق التاكسي.. أعدت أمى الشاى لأبى والسائق، ودخلت حجرتى للنوم.. استيقظت قبل السحور كعادتي، لأفاجأ بان أمي والسائق قتلا والدي وفصلا رأسه عن جسده، وسمعت السائق يقول إنه سيأخذ الرأس ليدفنها بجوار سامح فى الصحراء، وطلب من أمي أن تفصل بقي أجزاء الجثة عن بعضها حتى يعود، وهو ما نفذته بالفعل، ثم حمل السائق الجثة الممزقة ودفنها أيضا فى الصحراء بالقرب من جثة شقيقي”.
بعد ان انتهت سماح من اعترافاتها، تم القبض على سائق التاكسي أحمد، ومواجهته بشريكته نادية، فاعترفا تفصيليا بما ارتكباه من جرائم، واتهم كل منهما الأخر بالتسبب فى تلك الفظائع وأحيل المتهمان إلى محكمة الجنايات التى عاقبتهما بالإعدام.